مقالات واراء

العراق في عيون الاعلام العربي .. المعركة مع (داعش ) نموذجاً ..

احجز مساحتك الاعلانية
بقلم : ابراهيم الشاهد

لطالما طُرحت في العراق على اكثر من صعيد اسئلة ونقاشات حول اسباب ما يظهر من تعامل القنوات الاعلامية العربية مع قضايا العراق بعد عام 2003 ، وخصوصاً تلك الوسائل الاعلامية ذات الشعبية الجماهيرية على المستوى العربي .
لقد شكلت الطريقة التي تعاملت بها تلك الوسائل الاعلامية مع قضايا العراق في السنوات الماضية والآن ، لغزاً محيراً لدى كثيرين نتجت عنه ولادة تصورات اقتربت الى اليقين المقترن بالادلة والشواهد ان لتلك الوسائل اهداف وغايات معينة من وراء طريقتها تلك ، جزء منها لنفسها والجزء الاخر للنخبة السياسية التي تتحكم بها من وراء الستار .
ونعتقد جازمين انه لم يعد بالامكان الحديث عن شيئ اسمه وسائل اعلام خاصة او حكومية او محايدة وغير محايدة او تابعة وغير تابعة لان كل وسائل الاعلام حول العالم هي لسان ناطق عمّن يديرها ويتحكم بها وهذا ما ينطبق بشكل واضح على وسائل الاعلام المؤثرة في العالم العربي من صحف ومجلات واذاعات وقنوات فضائية .
وبالعودة الى العراق والتعامل الاعلامي العربي مع قضاياه فاننا سكتفي بدراسة التعامل الاعلامي العربي مع الحرب الجارية حاليا ضد تنظيم داعش الارهابي كمثال نعتقد انه يمكن على اساسه القياس حول الطريقة التي تعامل بها ذلك الاعلام مع العراق بعد عام 2003 ، فقد فرضت بصمات الدوائر السياسية نفسها بشكل صارخ على تعامل مجموعات اعلامية كــ (الجزيرة) و(العربية) بشكل نرى انه طعن بقوة بمصداقية عمل تلك المؤسستين على مستوى الوطن العربي واصبح من غير الممكن ان يقتنع كثير من العراقيين بحياديتهما وابتعادهما عن أي تأثير سياسي .
ودليلنا على ذلك ان القناتين المذكورتين تقومان بتغطية اخبار المسؤولين العرب قادة وسياسيين بشكل بالغ في الازدواجية ، فــ (الجزيرة) على سبيل المثال والتي تأسست في تشرين الثاني (نوفمبر) 1996 وتبث من العاصمة القطرية الدوحة ، تملأ الدنيا ضجيجاً حول الانتهاكات والمجازر في سوريا وتنتقد دكتاتورية من يختلفون مع مؤسسة الحكم في قطر بل وتغطي الشان الداخلي لاغلب البلاد العربية بينما لا يكاد يوجد خبر واحد عن الشأن الداخلي القطري او عن اخطاء مؤسسة الحكم فيه وغياب أي ممارسة حزبية او انتخابية او سياسية هناك وغير ذلك ، واذا حدث واتى خبر يتعلق بقطر فانه بالتأكيد سيكون ايجابيا ، وكأنه لا مكان للسلبية او المثلبة في ارض الدوحة الافلاطونية ! .
وعن معركة العراق مع داعش ، لا تزال سيمفونية (المذابح الطائفية والانتهاكات التي تمارسها الحكومة والمليشيات المواليتين لايران) فقرة اساسية في منهاج بث الجزيرة ، وما عليك سوى مطالعة اخبارها اليوم حول العراق واذا بك ستجد ان جلّ اخبارها تتحدث عن القتلى والجرحى في صفوف القوات العراقية على يد (تنظيم الدولة) على حد تعبيرها ، وبعملية حسابية بسيطة ستجد ان نسبة الاخبار عن التنظيم الارهابي مقارنة باخبار عمليات القوات العراقية تبلغ على الاقل 3 أو 1:4 ! .
ويبدو ان الجزيرة لا تزال وفية وستبقى كذلك لعلاقاتها وصلاتها مع نظام صدام البائد والذي اتى النظام الحالي على انقاضه وهو الذي تختلف معه الجزيرة كلياً .. تلك الصلات التي كشفتها الوثائق والتسجيلات بعد عام 2003 ومنها التسجيل المصور للقاء جمع بين محمد جاسم العلي مدير القناة انذاك وعدي صدام حسين في مكتب الاخير في بغداد في منتصف آذار (مارس) عام 2000 والذي يمكن من خلال مشاهدته معرفة حجم العلاقة الوثيقة بين النظام المباد وهذه القناة التي كانت تتحول الى قناة رسمية عراقية صرفة عند تغطيتها لاخبار رئيس النظام ومسؤولي حكومته …
اما قناة العربية التي تأسست في آذار(مارس) 2003 والتابعة لمجموعة MBC المملوكة من قبل الثري السعودي وليد الابراهيم والتي تبث من دبي الاماراتية ، فلا تختلف كثيراً عن قرينتها القطرية ، وهي التي اختفى من على شاشتها في ليلة وضحاها بمجرد خروج المالكي من السلطة منتصف آب (أغسطس) 2014 مصطلح(ثوار العشائر) الذي اطلقته على التنظيم الارهابي وهو يحتل نينوى وصلاح الدين وديالى على التوالي ، واستبدلت مصطلح (القتال بين الثوار وقوات المالكي) الى (القتال بين داعش والقوات العراقية المدعومة بـــ (مليشيا الحشد) )!! .. و نالت باسلوب ظالم بعيد كل البعد عن المهنية ، من مساهمة الحشد الشعبي في معارك تحرير ديالى اواخر 2014 و تكريت في آذار (مارس)2015 وتحرير بيجي في الثلث الاخير من العام نفسه واتهمته بتنفيذ سياسات تطهير عرقي والقيام بعمليات سلب ونهب منظمة لممتلكات مواطني تلك المدن!! ، فيما وصفت اعلان تحرير الرمادي في 28/كانون الاول(ديسمبر) المنصرم بانه (معركة نظيفة) لعدم دخول الحشد الى المدينة !! وتناست ان الحشد قد ادى دورا مشهودا في قطع خطوط امداد الارهابيين من والى الرمادي وان الحشد قد سُمح له بالدخول رسميا الى الانبار بموافقة مجلس المحافظة وحكومتها المحلية بعد سقوط الرمادي في أيار (مايو) من العام ذاته ، وان الحشد قد تشكل أساساً كهيئة رديفة للقوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية الساندة بقرار من مجلس الوزراء ويرأسها رئيس المجلس القائد العام للقوات المسلحة وتأتمر على الارض بإمرة وزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة ، ومتجاهلة التصريحات المتكررة لوزير الدفاع خالد العبيدي وآخرها ما قاله في مؤتمره الصحفي في القاهرة اوائل العام الحالي والذي نوّه فيه بالدور التاريخي لمتطوعي الحشد في صد خطر التنظيم الارهابي عن العاصمة بغداد بعد انتكاسة سقوط الموصل في حزيران (يونيو) 2014 حتى تمكنت القوات المسلحة من استعادة زمام الامور وارادة القتال والمباشرة بتحرير الاراضي المحتلة .
ويبدو ان مصطلح (مليشيا) يختلف لدى قناة العربية باختلاف رؤيتها السياسية ورؤية القائمين عليها ونظرتهم للاحداث ، فلا نجد مثلاً ان مصطلح(مليشيا) يطلق على (المقاومة الشعبية) الموالية للرئيس اليمني الحالي والمدعومة من تحالف (عاصفة الحزم) بقيادة السعودية او مقاتلي المعارضة السورية ، وبالمقابل فان الموقف السياسي للقناة تجاه حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي يُحتّم اطلاق لفظ (مليشيا) عليهما ، مما يعكس ان هذا المصطلح يستخدم وفق معايير مزدوجة ومقاييس تكيل بمكيالين ويختلف كما قلنا باختلاف الموقف السياسي لادارة القناة لهذا المسمّى او ذاك تأييدا او معارضة .
وتحذو (العربية) حذو (الجزيرة) في تغطية اخبار انتهاكات النظام السوري و (المليشيات) المتحالفة معه بالاضافة الى (مليشيا الحشد) العراقية والانظمة المختلفة مع الحكم السعودي كنظام القذافي سابقا ، فيما تصاب بالعمى تماما عن انتهاكات النظام الحاكم في الرياض وسياساته التعسفية التي يتكلم عنها حتى اعلام حليفته امريكا وبشكل مكثف وتبديده لثروات البلاد واللعب بمقدراتها في اكثر من حلبة صراع سياسي ، والشيئ نفسه بالنسبة لانظمة الخليج والانظمة الصديقة له ..
ان شعارات الراي والراي الاخر والاستقلالية والمهنية والحيادية والشعارات الاخرى التي ترفعها هكذا قنوات ليست سوى سم معسول يقدم الى المشاهد بهدوء ووسط زحمة الضغط الكثيف من برامج ولقاءات وحوارات واسئلة مقصودة تحمل اراء واغراض مبيتة مسبقاً اضافة الى الوجوه شبه الدائمة التي يتم استضافتها عدة مرات اسبوعيا وتُفرد لها مساحات برامجية وفضاء مفتوح لقول ما تريد مما يتماشى بالقطع مع سياسة القناة المستضيفة ، ولا مانع من تخصيص عدة دقائق من مجموع 24 ساعة لاستضافة من يمثل وجهة النظر المضادة مع القيام بالتشويش عليه وارباكه واستفزازه اسئلة وطريقة حوار ، وبالتأكيد فلسنا بحاجة للشعور بالاستغراب حينما نلاحظ ان اكبر قناتين اخباريتين عربيا تنتميان لاكبر دولتين عربيتين في مستوى الانفاق وضخ الاموال تقريبا ..
اما بالنسبة للقنوات الاخبارية العربية الاخرى فيبدو ان اغلبها كحال الاختين(الجزيرة والعربية) لا يزال يحمل العراق وشعبه ذنب معارضة نظام صدام حسين وسقوطه على يد المحتل الامريكي ، ويتباكى على حال العراق والعراقيين ووقوعهم فريسة نفوذ الشرق الفارسي المجوسي!! ، ويتناسى ان الانظمة العربية تركت( ولا تزال) العراق وحيدا فريسة سهلة لحرب الاحتلال الامريكي عام 2003 في واحد من اكثر المواقف تخاذلاً في التاريخ العربي المعاصر وترك شعبه وحيدا يقاوم اعتى الهجمات الارهابية واكثرها دموية والتي راح ضحيتها مئات الالاف من خيرة وذخيرة العراق من الشباب ، بل وقيام كثير من تلك الانظمة حتى الان بارسال قطّاع طرقها وشراذم مواطنيها وتصديرهم الى العراق تحت شعار مقاومة الاحتلال والمد الرافضي ليفجروا اجسادهم العفنة في المطاعم والمقاهي والاسواق والاماكن الترفيهية والمرافق والمنشآت العامة فضلاً عن القوات الامنية العراقية جيشاً وشرطة بحجة انها عميلة للاحتلال ولبلاد فارس !! ووسط فتاوى ما انزل الله بها من سلطان تشرّع وتحلل سفك تلك الدماء الطاهرة… وكأن هذا هو بالضبط ما قصده ذاك البيت الشعري لعُبيد بن الابرص :
لا ألفِيَنَّكَ بعد الموت تَنْدُبُني *** و في حياتي ما زَوَّدْتَني زادي ! ..
اذا اتفقنا انه ليس هناك اعلام محايد ، وان الاعلام يخضع لتوجهات من يموّلونه وبالتالي يتغاضى عن اشياء ويركز على اخرى ، فانه من غير المعقول حينها ان نصدق ان الاعلام العربي اعلام محايد او يسعى باتزان لنقل الخبر بحقيقة شبه كاملة وبصراحة تقرب من التمام ، لذلك فان الواجب يقتضي عدم التسليم بما يتم تصديره ، وتفعيل الوعي الفردي وتحكيم العقل المدعم بالادلة والشواهد المنطقية كسبيل لتحليل ما يتم عرضه على الشاشة ، وانه لا عذر اليوم لبقاء الوعي الفردي معطلاً وموضوعا تحت وصاية مؤسسة اعلامية بعينها خصوصاً لمن يمتلك من المقومات والادوات ما يكفيه ليتسلح بهذا الوعي ويطوّره ، بما يجعله اشبه بمؤسسة ذاتية قادرة على اعطاء الحقيقة ومعرفة الصالح من الطالح وما يمكن قبوله وتصديقه ، وما هو دون ذلك ليس سوى خرط القتاد ! ..

 

 
صورة ‏ابراهيم الشاهد‏.

Related Articles

Back to top button